صفات الامام المهدي

[size=24]محاضرة للدكتور وليد سعيد البياتي القيت في المركز الاسلامي في لندن بتاريخ 10 / 9 / 2006 بمناسبة ميلاد الامام الحجة عجل الله فرجة الشريف.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين، السلام عليك ياصاحب الزمان الحجة ابن الحسن عجل الله فرجكم الشريف وفرج عنا بكم.

السادة الاكارم الاخوة والاخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاتــه.
يحق لنا ان نهنئ أنفسنا بالميلاد المبارك لصاحب العصر عجل الله فرجه ونحن نعيش مرحلة الانتظار في مخاضها الاخير انشاء الله.

توطئــة:
لقد ذكرت في بحوث سابقة ان الامامة تمثل استيعابا كليا لحركة التاريخ باتجاه تحقيق قيم العدل السماوي عبر خلافة الانسان على الارض، فان الامامة قد كرست مفاهيم وقيم المثل العليا التي تجسدت في علاقة الشريعة بالانسان بأعتبار المعايير الالهية لقيمة الرسالة الخاتم، حيث لانبي بعد خاتم الانبياء والرسل صلوات الله عليه وآله، فكانت الأمامة سفينة الهداية في رحلة البشرية الطويلة على مسار حركة التاريخ، فقيمة الأمامة تشكل مصداقا واقعيا لقوله تعالى شأنه: " إنما انت منذر ولكل قوم هاد" فكان الأمام ولازال هاديا ليس للبشرية فقط ولكن للوجود الكلي في حركته الدائمة باتجاه الحق سبحانه. ومن هنا فأن صفات الأمام لاتنفصل قيميا عن قيم ومفاهيم وجود الأمام نفسه، فثمة ترابط فلسفي وعقلاني بين صفات الأمام ووجوده، وهكذا تصبح العصمة استيعابا كليا للرسالة الخاتم، في حين تصبح الغيبة تفاعلا كليا مع حركة التاريخ من موقع العصمة، مما سيقدم فهما واقعيا لمعاني وقيم صفات الأمام كما سيتناولها بحثنا هذا.

الصفـات في الدعـاء: يمتاز دعاء الندبة بانه يقدم سجلا معرفيا لصفات الأمامة، فثمة تلازم فلسفي وواقعي بين الأمام وصفاته، فدعاء الندبة لا يطرح الصفات بأعتبارها صورة، او واجهة لا تتعلق بالجوانب العقائدية، أو المعرفية والسلوكية للائمام، بل يقدمها باعتبارها شكلا من اشكال عصمته، وجانبا من جوانب هدايته، ومع ان بعض الصفات التي يطرحها الدعاء الشريف تختص بالأمام علي عليه السلام، وبعضها صفات مشتركة بين الأئمة جميعا عليهم السلام، فأن صفات الأمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف في الدعاء تكتسب خصوصية الرؤيا المستقبلية للوجود الانساني والكوني، من واقع ان الأمام الحجة عجل الله فرجه يمثل مستقبل الانسانية في تعاملها مع الشريعة وتبنيها للعقيدة.

صفات الأمام الحجة: تبدا الصفات التي تختص بالأمام الحجة عجل الله فرجه في دعاء الندبة بذكر " أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الهادية" فالأمام الحجة محمد بن الحسن العسكري عجل الله فرجة هو الكيان الانساني الوحيد الباقي من سلسلة الأمامة والعصمة، فهو البقية الباقية من إرادة الجعل الالهي التي ارادها الحق سبحانه لخلافة الانسان على الارض، وفي ذات الوقت هوالكيان الانساني الوحيد المتبقي من عترة آل الرسول الاعظم صلوات الله عليه وآله الذين جعلهم الله عدلا للقرآن الكريم وهداة للأمة على لسان النبي الخاتم صلوات الله عليه وآله في واقعة الغدير، وهو الامام المعد للخروج بالانسانية جمعاء من عتمات الظلمة، بل إن الدعاء الشريف يصفة بأنه" المعد لقطع دابر الظلمة" مما يوحي بأنه الوحيد من الائمة العظام الذي سينهي عصر الظلمات إذ لاعودة للجاهلية بعد عصره المنير، فالزمن وفق المفهوم الاسلامي يسير نحو غاية، والائمة عليهم السلام قد جهد كل مهم ان ينير الدرب في عصره باعتباره هاديا " أنما انت منذر ولكل قوم هاد" لكن الملاحظ أن ظلمات الجاهلية الفكرية ضلت راسخة في عقول ونفوس الكثيرين، مما اوجد الحاجة النهائية للامام المنتظر ليعيد ترتيب علاقة الانسان بالخالق تعالى شأنه، وهذه رؤيا مستقبلية تدعو الامة للتفكر في القادم من التاريخ، وهي تتجلى في صفات مثل: " أين المنتظر لاقامة الامت والعوج، لازالة الجور والعدوان، أين المدخر لتجديد الفرائض والسنن" فهذه كلها صفات وإشارات مستقبلية تتطلع نحو شخصية معصومة تضع الانسانية من جديد على الخط الرسالي بعد الانحرافات المتتالية كنتيجة للانغماس المستمر في جاهلية الفكر، والابتعاد عن المسار الالهي بعد ان تم الانحراف بالانسانية عن العقيدة الاصيلة، فالامام هنا شخصية عقائدية، فاعلة وحيوية، وقادرة على الاخذ بزمام المبادرة، بأعتباره سيعيد صياغة المشروع الاسلامي وفق ماهو مدخر له، فهو أي الأمام الحجة عجل الله فرجه كما يذكر الدعاء " المتخير لاعادة الملة والشريعة" وهو ايضا في جانب آخر " المؤمل لاحياء الكتاب وحدوده " والدعاء الشريف يؤكد ان الأمام هو المختار لاعادة الامة الى مسار الشريعة السمحاء، وهو في ذات الوقت يمثل الاتجاه المستقبلي في التعامل مع القرآن الكريم وتبيان وتطبيق حدوده واحكامه بعد ان زاغت الانسانية عنها وانكرتها. ولما كان البحث في تفاصيل وجزئيات الصفات الطاهرة الواردة في هذا الدعاء الشريف لا يمكن الالمام بها جميعا أو مناقشتها فلسفيا في هذه العجالة من الزمن، فسانتقل الى صفات آخرى وردت في دعاء الندبة تقدم الشكل المستقبلي والذي هو يؤكد حاجة الامة الى كيان معصوم يربط الارض بالسماء والماضي بالمستقبل ونرى في الصفات: " أين السبب المتصل بين الارض والسماء، أين صاحب يوم الفتح وناشر راية الهدى، أين المؤلف شمل الصلاح والرضا، أين الطالب بذحول الانبياء وأبناء الانبياء، أين الطالب بدم المقتول بكربلاء" فهنا في هذا المقطع من الدعاء نجد أعادة تأكيد التواصل الرسالي بين الامامة والنبوة، فالامامة تعد استمرارا لحركة النبوة في التواصل بين الارض والسماء بأعتبار ان الكيان الامامي منصوص عليه كما انه سيمثل خلاصة الامر الالهي في استخلاف الانسان على الارض كما تقدم، والذي سيتحقق بالفتح النهائي للاسلام باعتباره نهاية التاريخ، ولما كانت العصمة تمثل استيعابا كليا للرسالة الخاتم كما تقدم، فالامام ومن مفهوم العصمة وقيمها سيقود حركة اصلاحية تتسم بالشمولية وتتلقى الرضا من العقل الجمعي للانسانية ولو كان هذا التلقي على مراحل، وهنا نجد اشارات الى التواصل مع حركة التاريخ من موقع ان الامامة تمثل استيعابا كليا لحركة التاريخ كما ذكرنا ومن موقع العصمة، فيصبح الامام هوالوحيد المدخر للاخذ بثار الانبياء واولاد الانبياء فالمعصوم لايتولى أمره من بعد وفاته الا معصوم مثله، وهذه الحالة تنطبق كليا على الاخذ بثأر الأمام الحسين عليه السلام، فالمعروف تاريخيا ان الائمة الاطهار سلام الله عليهم اجمعين تركوا مسالة الاخذ بثأر الامام الحسين عليه السلام معلقة على ظهور الأمام الحجة عجل الله فرجه الشريف، ومع أن حركة التاريخ تؤشر لظهور عدد كبير من الشخصيات التي طرحت مشروع الاخذ بثار الامام الحسين عليه السلام، إلا أن كل هذه الشخصيات غير معصومة بالعصمة الالهية المفترضة في الامام، ومن مبدء ان المعصوم لا يليه إلا معصوم مثله، فكان لابد ان يقوم الامام الحجة عجل الله فرجه الشريف بالاخذ بثأر جده سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام، وهذه الفكرة وحدها لدليل كاف على أنه كما للرسالة خاتمية فللامامة خاتمية ايضا، وقد يسأل سائل كيف يمكن تحقيق مفهوم خاتمية الامامة؟

خاتميــة الأمامــة: يتحقق مفهوم الخاتمية عبر عملية الانتشار الكلي للعقيدة الاسلامية في جميع اصقاع الارض فتنتهي عصور بقية الديانات والعقائد ولن تبقى إلا العقيدة الاسلامية وفق المنهج الرسالي لخاتم الانبياء والرسل متمثلا بقياد الامام المهدي الحجة عجل الله فرجه وبذا تتحقق الخلافة الكلية، وهو ما تطلعت اليه الانسانية منذ آدم عليه السلام، فولاية الحجة تعتبر النهاية الحقيقية للمشروع السماوي على درب النبوات والرسالات وتتجلى في قضية أنه عجل الله فرجة " يملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا " فشمولية العدل والقسط حالة لم تتحقق في تاريخ الانسانية، وأريد لها ان تتم في عهد الامام الحجة عجل الله فرجه باعتبارة خاتم عصر الامامة وخاتم عصور العصمة، وهذا التطلع المستقبلي يصوره الدعاء الشريف، مؤكدا ان النظرية الاسلامية تحرك المجتمع باتجاه غايات سامية، ومثل عليا، فالدولة الاسلامية التي سيقيمها المهدي عجل الله فرجه دولة كونية تتجانس عناصرها وفق قيم سماوية مطلقة تؤطر النموذج الحضاري للعقيدة الاسلامية، باعتبار العلاقة بين العقل والواقع والوحي.

الانتظــار: إن الموقف الفكري لأهل البيت عليهم السلام من عقيدة الانتظار لم يكن انعكاسا لرؤيا عاطفية خارج الاطر الشرعية، كما انه لم يكن موقفا يرتكز على مفاهيم الانتظار السلبي بعيدا عن تصورات عملية التغيير الدائمة التي سعت اليها الرسالات السماوية، بل انه موقف ينطلق من قيم الوعي والحاجة المستمرة للوصول الى مرحلة الخلاص النهائي،وهو موقف يجعل من عملية الانتظار حالة حركية تدعو لموالاة الامام ونصرته، والتفاعل مع نهضته المباركة استنادا الى مفاهيم الوعي، ودعاء الندبة يقدم لنا نموذجا واقعيا من هذا الوعي باتجاه المستقبل، متمثلا بمناجاة تعكس الترقب المستمر " يا مولاي والى متى وأي خطاب أصف فيك وأي نجوى، عزيز علي ان أجاب دونك أو أناغى" وتستمر المناجاة مكرسة الولاء للحجه عليه السلام متطلعة نحو المستقبل" متى نغاديك ونراوحك فنقر عينا متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النصر، ترى أترانا نحف بك وأنت تؤم الملأ وقد ملأت الارض عدلا " وإذ نحن لا ننكرعاطفة الشيعة تجاه أهل بيت النبوة عليهم السلام " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى" غير أن العاطفة بشكلها المجرد لايمكن ان تكون اساسا لمشروع مستقبلي مثل مشروع الامام المهدي وهو ينحو باتجاه التغيير الشمولي، لكن عندما تصبح هذه العاطفة جزءا من عقيدة سماوية، ونصا قرآنيا، فيمكن لها بحق ان تشكل احد اهم عناصر هذا المشروع الالهي والذي هو بالتأكيد سيمثل تحقيقا واقعيا لفلسفة نهاية التاريخ.
وهكذا فأن مفاهيم نصوص دعاء الندبة ستتخذ شكلا خارج البناء الاعتيادي والمتعارف عليه للادعية الواردة عن طريق أهل البيت عليهم السلام، باعتبار أن هذا الدعاء يمكن تصنيفه كوثيقة تسجل قيما رسالية تستند على أسس شرعية وتاريخية وهي تتطلع نحو المستقبل لتحقق مشروعا الهيا تم التاصيل له عبر حركة التاريخ.
مرة أخرى نهنيء الانسانية والوجود الكلي بهذا المولد الشريف داعين المولى تعالى شأنه أن يمن علينا بلقاء الحجة ابن الحسن عجل الله فرجه لنكون من انصاره في حركة التغيير الشمولي ولننال من فيوضات وجوده المبارك.
أحبتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

مشكور أخي على الموضوع الجميل